قصة الدولار وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى
( الجزء الثالث - قصة الدولار وصعود الولايات المتحدة كــ قوة عظمى )
ظهرت النقود الورقية كبديل عن الذهب والفضة وانتشر إستخدامها تزامنا مع ظهور البنوك، وبنقول عليها أوراق " البنكنوت "
ولكن أشهر ورقة بنكنوت حاليا لها سلطان نسبي على باقي عملات العالم هي " الدولار"
فما هي قصة الدولار؟
في عام 1785 أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي ( الكونجرس ) قرار بإعتماد الدولار عملة رسمية، ثم سك الدولار رسميا في عام 1792 على هيئة ثلاث فئات،
فئة ذهبية، فئة فضية، فئة نحاسية، ولم تكن الفئة الورقية موجودة حينئذ !!
أيامها كان كل بنك في الولايات المتحدة يقوم بــ سك الدولار الخاص بيه في شكل الفئات الثلاثة المذكورين، لدرجة إنه في عام 1860 كان هناك أكثر من 700 نوع من الدولار،
الي أن إندلعت الحرب الأهلية الأمريكية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب عام 1861
توقف التعامل بالفئات المعدنية الثلاثة للدولار عام 1862، ثم قامت الحكومة الأمريكية بسن قانون بإعتماد الدولار كعملة ورقية يتم طباعتها بشكل موحد من البنوك الوطنية فقط المعتمدة من الكونجرس،
يعني الدولار أصبح مجرد ورقة نقدية قائمة على الثقة بين الشعب والحكومة.
طب ليه الحكومة الأمريكية جعلت الدولار عملة ورقية بدلا من الذهب والفضة؟!
لان حكومة الولايات الشمالية كانت في حاجة لمزيد من الاموال لتمويل الحرب على الولايات الجنوبية، وكان الذهب غير كافيا،
فقامت بطبع الدولار في شكلها الورقي وبدون غطاء من الذهب، يعني بدون أى إعتبار لكمية الذهب في خزائن البنوك الوطنية، مجرد ورق بينطبع كل يوم وخلاص وبيشتري كل شيء ببلاش !!!
والقانون الأمريكي أيامها جرّم كل من يرفض التعامل بهذا الدولار الورقي الغير مدعوم بالذهب،
ثم بعد ذلك يمر الدولار والنظام النقدي العالمي بــ أربع محطات رئيسية،
- المحطة الأولى: معيار الذهب الكلاسيكي منذ عام 1879 حتى 1914:-
واستمر الوضع السابق قائما حتى حدوث تضخم نقدي هائل للدولار عام 1879 ، أى حدوث زيادة كبيرة جدا في كمية الدولارات المتداولة في السوق مقابل كم قليل جدا من الإنتاج،
نتيجة لذلك إنخفضت قيمته جدا وأصبح على حافة الإنهيار،
فصدر قرار رسمي بربط الدولار مرة أخرى بالذهب في نفس السنة لمنع الإفراط في طباعة العملة والحفاظ على إستقراره،
بحيث إن ( كل ورقة دولار تنطبع من فئة الــ 20 لازم يقابلها في خزنة البنك قطعة من الذهب قيمتها 20 دولار )
وبكدا كانت نسبة الإحتياطي 100 %، أى ورقة دولار تنطبع لازم يقابلها ذهب بنفس القدر.
وكان متاح لأى شخص أيامها يروح البنك، يبدل الي معاه من دولارات بالذهب، كل ورقة بــ 20 دولار ياخد قصادها قطعة دهب تساوي 20 دولار.
واستمر هكذا الوضع حتى إندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914
- المحطة الثانية: معيار تبادل الذهب منذ عام 1914 حتى 1944
عام 1913 تم إنشاء البنك الفيدرالي الأمريكي ( البنك المركزي ) وأصبح هو الوحيد المسؤول عن طباعة الدولار، وفي نفس السنة أيضا تم إنشاء مصلحة الضرائب الأمريكية IRS
بالمناسبة، البنك الفيدرالي الأمريكي مش مؤسسة حكومية، دي شركة مساهمة خاصة لرجال أعمال غير معروفين، تخيل مجموعة رجال أعمال معاهم مكنة بتطبع عملة متحكمة في تلت عملات العالم في الوقت الحالي !!!
ثم إندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، توقفت بعض البنوك عن مبادلة الدولار بالذهب مرة أخرى بشكل مؤقت،
وفي عام 1933 تم إلغاء مبادلة الدولارات بالذهب نهائيا من طرف عامة الناس،
يعني معدتش متاح لأى مواطن عادي في أمريكا يروح البنك يسلمهم فلوسه الورق وياخد مكانها ذهب !
ولكن معيار الذهب تغير، فأصبح نسبة الإحتياطي 40 % بدلا من 100%
بمعنى إن ( كل ورقة دولار تنطبع من فئة الــ 50 يقابلها في خزنة البنك المركزي قطعة من الذهب بقيمة 20 دولار )
- المحطة الثالثة : معيار الدولار ( نظام بريتون وودز ) منذ عام 1944 حتى 1971
إندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 واستمرت حتى عام 1945،
ومعروف أن الحرب تستنزف ثروات وجهود الأطراف المتحاربة بشريا وماديا، حتى المنتصر يخرج ضعيف من الحرب،
الولايات المتحدة لم تشارك في الحربين العالمية الأولى والثانية إلا في أخر سنة من كل حرب،
ولكن المصانع والشركات في أمريكا تحولت من الإنتاج الصناعي الاستهلاكي العادي الي إنتاج معدات ولوازم الحرب من كل شيء، وبدأت تصدر كل ما تنتجه للدول المتحاربة، وفي المقابل كانت الدول المستوردة تدفع لأمريكا ثمن بضائعها بالذهب !!
فإزداد إحتياطي الذهب لدى الولايات المتحدة بشكل هائل
في عام 1933 كان لديها إحتياطي ذهب بمقدار 46 مليار دولار
ثم في عام 1939 إزداد ليصل الي 71 مليار دولار
ثم في عام 1943 إزداد ليصل إلي 142 مليار دولار
فأصبحت الولايات المتحدة تمتلك أكثر من ثلثي الذهب من جملة إحتياطي العالم من الذهب !!
وكان ذلك بمثابة البداية لصعود نجم الولايات المتحدة وتتويجها كــ قوة عظمى ذات سيادة على العالم !!
هكذا الحرب، تكون مفيدة للطرف الذي يحولها الي فرصة تجارية !!
خرجت الدول المتحاربة ( المنهزمة والمنتصرة ) من الحرب منهكة القوى، الخراب والدمار يعم أرجاءها، وتحتاج للكثير من المال لإعادة إعمار ما دمرته آلات الحرب،
في عام 1944 قبل إنتهاء الحرب بعام، إنعقد في مدينة بريتون وودز الأمريكية إتفاقية بين أمريكا ومعظم دول العالم سٌمّيت بإتفاقية بريتون وودز،
كان خلاصة الإتفاقية إنه هيتم بناء نظام نقدي عالمي جديد، هيكون فيه الدولار هو عملة السوق العالمي، وباقي عملات العالم هتبقى مدعومة بالدولار،
وكل عملة سيتحدد لها سعر صرف خاص بيها قصاد الدولار، إعتمادا على قوة العملة وما تملكه الدولة من ذهب،
تقدر تشبه الموضوع وكأن الدولار صار مثل الشمس، وباقي عملات العالم صارت مثل الكواكب التي تدور حوله.
يعني المعيار الرسمي هيكون هو الدولار
بحيث إن ( كل 35 دولار هتساوي اونصفه من الذهب، وأونصفه الذهب تقريبا تساوي 28 جرام ذهب )
بحيث إن أي دولة معاها كم من الدولارات، تقدر تبادلها مع البنك الفيدرالي الأمريكي وتاخد مكانها ما قيمته دهب،
وهذا مسموح للحكومات بس مش للأفراد العاديين،
وكأن الولايات المتحدة بحد ذاتها أصبحت بنك مركزي لحكومات العالم كله !!
ثم بدأت الولايات المتحدة بإقراض دول أوروبا والبدأ في مشروع مارشال 1947 لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
استمر الوضع قائم، حتى إندلاع الحرب الكورية 1950 وتورطت أمريكا فيها، حتى إنتهاءها عام 1953، ومع دخول الحرب هناك تكلفة !!
وبعدها بسنتين عام 1955 إندلعت حرب فيتنام، تورطت أمريكا فيها أيضا، وكانت تظن أنها حرب سريعة وتنتهي،
إلا أن أمريكا تكبدت خسائر فادحة، وانغمست أقدامها في الوحل أكثر وأكثر، وطالت الحرب أكثر من المتوقع،
وأصبحت الحرب مصيدة لأمريكا، استنزفت الكثير من مواردها، فأصبحت في حاجة لمصدر يمول لها الحرب،
بدأت الولايات المتحدة تفرط في طباعة الدولار بدون أى غطاء ذهبي، وكل تلك الدولارات كانت تسافر الي دول العالم في عمليات التجارة الخارجية،
وكأنها كانت بتشتري كل حاجة ببلاش، وبتتحمل ديون برده ببلاش !!
الي أن تنبه الرئيس الفرنسي تشارلي ديغول في فترة الستينات لهذه اللعبة، وطالب الولايات المتحدة بإسترداد الذهب مقابل ما لدى فرنسا من دولارات،
وبدأت بعض الدول الأخرى تحذو حذو الرئيس الفرنسي وتطالب بإسترداد الذهب،
وإنخفض إحتياطي الذهب لدى الولايات المتحدة بنسبة 50 %،
حتى يوم 15 أغسطس عام 1971، خرج الرئيس الأمريكي نيسكون في خطاب للعالم أعلن فيه حاجتين:-
1- تعويم الدولار، أى تحرير سعر صرف الدولار مقابل الذهب، بحيث يهبط ويرتفع حسب العرض والطلب،
يعني الــ 35 دولار مش هيساووا أونصة من الذهب بعد كدا، بل السعر هيتغير حسب العرض والطلب.
2- منع استبدال الدولار بالذهب نهائيا !!
وكان هذا الخطاب بمثابة صدمة للعالم، وسُّمي بــ صدمة نيسكون !!
إلا أنه لم تتحرك أى دولة في العالم ضد أمريكا، ولكن قيمة الدولار تدهورت سريعا وبشدة بسبب أن كثير من دول العالم فقدت الثقة فيه وبدأت تتراجع عن طلبه.
واستمرت حرب فيتنام حتى عام 1975 ( عشرين سنة )، خرجت منها الولايات المتحدة وهي تعاني من ويلات الهزيمة !!
- المحطة الرابعة : البترودولار منذ عام 1973 حتى اليوم
ساءت حالة الدولار، وفقد الكثير من الثقة، ومع هبوط الدولار ينهار سلطان الولايات المتحدة على العالم !!
ثم جاءت الفكرة الشيطانية، لوزير الخارجية الأمريكي هينري كيسينجر،
وكانت هي ربط الدولار بذهب من نوع آخر، الذهب الأسود !!
سافر الي شبه جزيرة العرب ( السعودية )، وقابل الملك السعودي فيصل، وعقد معه إتفاقية ومع باقي دول منظمة أوبك ( الدول المنتجة للبترول )
خلاصة تلك الإتفاقية هي:-
1- ربط سعر البترول وتجارته بالدولار، بحيث أن الدول المنتجة للبترول وعلى رأسها السعودية لا تبيع ما تنتجه من البترول إلا بالدولار، وبذلك من يريد شراء البترول عليه بشراء الدولار من أمريكا،
2- أن تقوم السعودية بإستثمار عائداتها من البترول في سندات الخزانة الأمريكية أو إيداعها في البنوك الأمريكية.
وهكذا عاد الإقبال والطلب على الدولار مرة أخرى،
وبذلك ظهر مصطلح " البترودولار " بعد هذه الإتفاقية لأول مرة على لسان عالم الإقتصاد الأمريكي من أصل مصري الدكتور إبراهيم عويس، وهو يعني أن البترول والدولار أصبحوا وجهان لعملة واحدة.
وما زال الوضع قائم هكذا حتى اليوم،
ولكن ما هو مستقبل عملات العالم ؟!
يتبع إن شاء الله.
اللهم زدنا علما، والحمد لله رب العالمين
منقول عن الاستاذ(ابراهيم نديم)
Commentaires
Enregistrer un commentaire