قصة نقود العالم - علم الإقتصاد ( الجزء الثاني – العملات الورقية )
قصة نقود العالم - علم الإقتصاد
![]() |
قصة نقود العالم |
( الجزء الثاني – العملات الورقية )
إتضح بالتجربة والوعي المتزايد إن الذهب والفضة هي أفضل صور النقود كبديل عن نظام المقايضة،
ولكن كان هناك مشكلتين متلازمتين لإستخدام الذهب والفضة كنقود :-
- السبب الأول: مخاطر تخزين أو نقل الذهب من مكان لآخر بغرض التجارة كانت عالية جدا، فــ كان التجار عرضة للنهب والسرقة من قطاع الطرق واللصوص وأثناء الحروب.
- السبب الثاني: التأثير السياسي السلبي على عملية سك النقود،
نلاحظ عبر التاريخ إن كل الحكومات تقريبا كانت مسؤولة بشكل مباشر عن سك النقود،
في البداية كانت الحكومات تبدأ بسك النقود طبقا لمعايير ممتازة وأوزان ثابتة محددة ومتناسبة مع سعر المعدن في حالة بيعه في شكل سبائك،
ولكن لاحقا بيتم التلاعب في المعايير والأوزان الخاصة بالنقود الذهبية والفضية بسبب حاجة من الأتنين:-
أولا : بعض الملوك والأمراء بيبدأوا الإنغماس أكثر في الملذات والإكثار من مظاهر الترف، ومن ثم بتزيد نفقاتهم.
ثانيا: الإكثار من خوض الحروب ومن ثم زيادة الإنفاق العسكري،
في كلا الحالتين، السيناريو الي بيحصل كالتالي:-
معدل الإنفاق بيزيد، تبدأ الحكومات والممالك في رفع معدل الضرائب لتغطية العجز في الإنفاق،
توصل الضرائب لمرحلة بعدها لا تصلح أى زيادة وإلا محدش هيشتغل عشان يدفع كل دخله للضرائب،
والإنفاق بيزيد أكثر لدرجة لا تستطيع عائدات الضرائب تغطيتها !!
ثم تتجه أنظار الحكومات ناحية النقود نفسها،
عشان يضخموا كم الأموال، يقوموا يخففوا من أوزانها، ويخلطوا العملات بمعادن رخيصة مثل النحاس،
لما الفلوس دي بتوصل للأسواق، الناس بتلاحظ إختلاف في وزن ونقاوة العملة،
تقوم الناس تخزن العملة الذهبية أو الفضية الأصلية، وتستخدم العملة الجديدة الغير مطابقة للمواصفات الأصلية،
بعد كدا يأتي دور الصاغة، بيبدأوا يجمعوا العملة الذهبية والفضية الأصلية، ويسيحوها ويعملوها سبائك، ويخزنوا منها ويبيعوا الباقي بسعر أغلى..!
مع مرور الوقت، يشيع بين الناس إستخدام النقود المصنوعة من معادن رديئة، لحاد ما يفقدوا الثقة نهائيا في استخدام النقود المعدنية ويرفضوا التعامل بيها،
لحاد ما نلاقي الأسواق رجعت تتعامل مرة أخرى بنظام المقايضة !!
ومن هنا تعلمت البشرية درس مهم في علم الإقتصاد " النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة "
ولكن كيف ظهرت النقود الورقية وشاع إستخدامها بين الناس حتى يومنا الحاضر ؟!
تعالوا نرجع بالزمن للخلف ونسافر لشمال إيطاليا عام 1200 م
أيامها كانت إيطاليا مقسمة لمدن ومقاطعات مستقلة، منها مدينة البندقية الشهيرة.
البندقية أيامها كانت أشهر مكان تجاري فى العالم، كان بيتم فيها أكثر التبادلات التجارية مع الشرق
كان في نظام بيرغم اليهود المقيمين في البندقية أكثر من أسبوعين بإرتداء قميص أصفر والإقامة بمنطقة إسمها جيتو نوفو،
وهناك كانوا مقيمين في مبنى معين وبيبقوا قاعدين خارج المبنى دا على طاولات وترابيزات خشب عشان يمارسوا أعمالهم التجارية الي كان أهمها منح القروض للتجار بفائدة،
ثم أصبح إسم مباني اليهود " بنكو روسو "، ومن هنا جاءت تسمية كلمة بنك Bank وهى كلمة إيطالية معناها " الطاولة " الى كان اليهود بيخلصوا عليها شغلهم،
ثم تطورت كلمة Bank بعد كدا وأصبح معناها " مصرف " أو البنك بمصطلح اليوم.
وطبعا كان اليهود هما بس المتخصصين فى منح القروض الربوية ( قروض بفائدة ) للنصارى لأن اليهود كانوا من أثرياء العالم فى هذه الفترة، دا غير إن الكنائس كانت واضعة قوانين تُحرِّم التعامل المالي بين النصارى بالربا ومكانش حد فيهم يتجرأ يشتغل فى المهنة دي،
ولكن موجود فى كتاب العهد القديم عند اليهود إنه محظور عليهم أيضا منح القروض الربوية بين اليهود وبعضهم، أما منح القروض بفائدة لشخص غير يهودي حلال عادي.
لذلك حصل لليهود نبذ إجتماعي وكراهية من سكان المدينة بسبب منح القروض بفائدة ومص دماء التجار والناس.
ومن ضمن الخدمات الى كان اليهود بيقدموها أيضا غير منح القروض، خدمة تسهيل عملية التجارة بين التجار،
مثلا تاجر حابب يشتري بضاعة من تاجر تاني فى البندقية، بس التاجر خايف على أمواله من السرقة أثناء نقلها،
يقوم يسلم الذهب لتاجر يهودي مقابل إن اليهودي يكتبله ورقة زي تعهد أو كمبيالة أو إيصال ( نفس فكرة الشيك )،
هذه الورقة بتقول إن التاجر الفلاني أودع مقدار محدد من الذهب والفضة في حوزة التاجر اليهودي كأمانة مقابل عمولة يدفعها لليهودي،
ويحق للتاجر في أى وقت يسترد أمواله ( الذهب أو الفضة ) من التاجر اليهودي بتسليمه الورقة الي تثبت كدا،
وأى شخص ثاني حامل لهذه الورقة من حقه يسلمها لهذا التاجر اليهودي ويسترد القيمة المدونة على الورقة بالذهب أو الفضة.
شوية شوية اتطور الموضوع من مجرد التعامل مع تاجر يهودي جالس على طاولة خشبية الى ظهور المصارف ( البنوك ) بشكلها الحديث اليوم، وأول ما ظهرت كانت على أرض إيطاليا.
ومن أشهر المصارف الإيطالية فى ذلك الوقت خاصة عام 1419 كان بنك جيوفاني دي ميديشي فى مدينة فلورنسا، أحد أفراد عائلة ميديشي الشهيرة الى كانت من أغنى عائلات أوروبا فى ذلك الوقت، وكان البنك يملكه عدد من الشركاء " المساهمين ".
وبعد وفاه جيوفاني دي ميديشي عام 1429، ورث إبنه كوسيمو مكان أبوه، وبعد 20 سنة أصبح يمتلك الثروة والنفوذ السياسي،
كان بمثابة الأب الروحي لمدينة فلورنسا، لدرجة أن بابا الكنيسة قال أن كوسيمو هو الحاكم الفعلي لمدينة فلورنسا، وكان بيتم فى بيته حل المشاكل السياسية للبلاد، كان ملك حقيقى بدون لقب رسمى.
نرجع مرة ثانية لموضوع البنوك،
من بعد ظهور المصارف على أرض إيطاليا، بدأت تحظى بقبول عام بين الناس وأنسوا التعامل معها بإيداع مدخراتهم وأملاكم من الذهب والفضة فيها خاصة بعد ما أصبحت كيانات قانونية،
وكانت مهمة المصارف الرئيسية إقراض التجار والأمراء وأحيانا الحكومات بشكل عام مقابل عمولة، وكان الموديعين أيضا بياخدوا عمولة أقل مقابل ودائعهم، ( العمولة زي الفائدة يعني ربا ولكن تم تسميتها عمولة لتحاشي الصدام مع الرأى العام بحجة أن هذه العمولة مقابل مخاطر إيداع النقود فى المصرف )
ومن ثم بدأت تنتشر في أرجاء أوروبا،
في القرن الــ 17 كانت محلات الصاغة في لندن تقبل ودائع الناس من الذهب والفضة، مقابل إصدار إيصالات للمودعين كــ إثبات و وعد برد ودائعهم وقت ما يحتاجوها، وأقدم إيصال لدي صائغ موجود بإسم لورانس هور عام 1633
ثم بدأت محلات الصاغة في لندن تقلب نشاطها وتتحول الي مصارف من بعد إيطاليا،
و كل إيصال بيصدره المصرف كان مذكور عليه إسم المودع، فلا تُرد قيمة الوديعة من ذهب أو فضة إلا للشخص المذكور إسمه على الإيصال،
وبعد إنتشار الإيصالات دي بين الناس، أصبحت مقبولة كوسيلة للدفع بدل ما الناس تتعامل مباشرة بالذهب والفضة،
ثم في عام 1670 بدأت المصارف تضيف عبارة ( أو لحامله ) جنب إسم صاحب الوديعة في الإيصال المصدر له،
بحيث أن أى شخص معاه الإيصال ممكن يروح للمصرف مباشرة ويطلب إستبداله بالذهب أو الفضة دون الرجوع لصاحب الإيصال نفسه،
ثم في عام 1694 تم إنشاء بنك إنجلترا، وهكذا توالى إنشاء المصارف والبنوك المختلفة في أنحاء أوروبا.
ولكن حدث منعطف من أصحاب المصارف غير كل شيء،،
عملية الإقراض نفسها كانت معتمدة على مصدرين من الأموال،
المصدر الأول هو أموال أصحاب البنوك نفسهم،
والمصدر الثاني هو أموال الموديعين،
مقابل كل وديعة من الذهب والفضة، كان البنك بيصدر إيصال قابل للإستبدال بالوديعة المحفوظة في أى وقت،
ولو مافيش وديعة، ما يحق للبنك إصدار إيصال، وبالتالي موضوع الإقراض كان مقيد بــ كم الودائع الموجودة في خزائن البنك.
ولكن مع مرور الزمن، ومع تطور وتنسيق العمل المصرفي بين البنوك المختلفة، إعتادت الناس أكثر على إستخدام الإيصالات كوسائل للدفع والتعامل في الصفقات التجارية لسهولة حملها من مكان لآخر،
وبدأ يقل إقبال العملاء على إستبدال الإيصالات بالودائع،
فــ حصل تكدس لودائع الذهب والفضة في خزائن البنوك،
وهنا تنبه أصحاب البنوك لــ حيلة هتمكنهم من جمع ثروات لا حصر لها، ومن ثم يمتد سلطانهم ونفوذهم السياسي داخل الحكومات !!
طالما معدل إقبال الناس على إسترداد الذهب والفضة قليل، إذن يمكن إصدار إيصالات أكثر والتوسع في الإقراض أكثر دون زيادة في الودائع !!
بالظبط نفس الفكرة لما البنك المركزي يفرط في طباعة العملة دون غطاء نقدي من الذهب،
وبعد ما كانت مهام المصارف مقتصرة على التجارة بالأموال فقط،
أصبحت لديها أيضا القدرة على صناعة الأموال والمتاجرة بها !!!
توسعت البنوك في الإقراض، وإزدادت ثروات أصحابها، وإزداد التعامل أكثر بهذه الإيصالات القابلة للتداول،
وبدأ يظهر للوجود مصطلح ( بنكنوت ) وهي كناية عن الإيصال أو الشيك الي بيصدره البنك،
والبنكنوت هو العملة الورقية الي بنستخدمها اليوم، سواء جنيه أو دولار أو روبيل أو ين وهكذا !!!
برغم ذلك، كان متاح للناس إستبدال أوراق البنكنوت من البنوك بالذهب أو الفضة حسب القيمة المدونة على الورقة في أى وقت بدون مشاكل،
وظل ذلك الوضع قائما، حتى قيام الحرب العالمية الأولى 1914، ثم تغير كل شيء !!
متابعي مدونة التوثيق
يتبع إن شاء الله
اللهم زدنا علما، والحمد لله رب العالمين
منقول عن الاستاذ(ابراهيم نديم)
Commentaires
Enregistrer un commentaire