وجود الكون بين الانفجار العظيم والتصميم الذكي

يعد تفسير وجود الكون مسألة أساسية بالنسبة للانسان منذ العصور القديمة، وتشكل نظرية الانفجار العظيم وفكرة التصميم الذكي نمطين مختلفين من التفسيرات التي تم تقديمها لوجود العالم. إذ تعتمد نظرية الانفجار العظيم على ابحاث ومناهج علمية، بينما ترتكز فكرة التصميم الذكي على اعتقادات دينية. وغالبا ما يربط بينهما صراع بحيث يهدف أنصار الانفجار العظيم الى تكذيب فكرة التصميم الذكي، ونفس الامر بالنسبة للطرف الاخر. فما هو الاساس الفكري لكل منهما؟ وما هي أدلة الانفجار العظيم وحجج التصميم الذكي؟
- الانفجار العظيم تفسير علمي لبداية الكون:

يرجع علماء الكوسمولوجيا (علم الكون) بداية العالم الى مدة تقدر بحوالي 13,8 مليار سنة، ويربطون نشأة الكون بوقوع انفجار كبير بدأت على أثره تتشكل تدريجيا معالم الكون، وقد احتاج فترة طويلة جدا لتتشكل النجوم والكواكب والمجرات تقدر بملايير السنوات. لقد اعتمد علماء الكوسمولوجيا في دراستهم لبداية الوجود على المنهج التجريبي وركزوا مجموعة من الادلة ساعدت على اثبات نظرية الانفجار العظيم، ابرز هذه الادلة: قانون هابل لتمدد الفضاء ثم دليل الخلفية الاشعاعية الكونية background radiation. وقد ساهم في نظرية الانفجار العظيم عدد كبير من علماء الكون (الكوسمولوجيا) الى جانب عدد كبير من علماء الفزياء، منهم لوميتر وهابل معتمدين على ملاحظات ماكس بلانك Planck الى جانب مساهمة عدد كبير من العلماء المعاصرين ووكالة ابحاث الفضائية الامريكية ناسا. وترتكز نظرية الانفجار العظيم على ان العالم لم يتكون في لحظة واحدة بل خضع للتشكل بالتدريج، وان العالم لا يسير نحو هدف محدد. وان النجوم والكواكب تتشكل وفق قوانين فزيائية مستقلة.
- التصميم الذكي تعديل لفكرة الخلق.

تنبني فكرة التصميم الذكي على الاعتقاد بوجود مصمم للكون وخالق له، وهذا المصمم يتميز بالذكاء والعبقرية بحيث يصمم كل شيء في الكون باتقان، ولكل شيء هدف. وتعتبر الخلقيون المسيحيون اول من اطلق فكرة التصميم الذكي، بحيث ظهرت كطريقة لتجديد التصور الديني حول الوجود، وتجاوز التعبيرات القديمة حول قصة الخلق التوراتية. لكنها تتأسس عليها. فالتصميم الذكي يعتبر أن الاله المصمم للكون يعتبر كلي القدرة وكلي العلم وكلي الارادة، وكل مايقع في الكون يخضع لتصميم وإرادة ويسير وفق علم هذا المصمم الذكي. إن التصميم الذكي ليس سوى إعادة انتاج للتفكير الديني المسيحي المبني على الخلق. ولا يستند دعاة التصميم الذكي الى أي دليل علمي، بل يؤسسون تصورهم فقط على الثقافة الشعبية التي تعتبر ان كل شيء في الوجود له غاية وخاضع لنظام وهذا النظام من انتاج إله منظم.
يتضح من مقارنة نظرية الانفجار العظيم مع فكرة التصميم الذكي اننا امام الصراع القديم المتمثل في علاقة العلم بالايمان الديني. وهو صراع ينتصر فيه كل شخص بحسب تكوينه وانتمائه العلمي أو الديني. لكن ذلك لا يجعل العلم دينا ولا الدين علما.
Commentaires
Enregistrer un commentaire